يحرص التاجر على تقييم أي فرصة تعرض عليه ، فيدرس جدواها المالية و مناسبتها الزمانية، وفعل الخير لا خسارة فيه ، ونتائجه متحققة ؛ إذ هو تجارة مع الله ، ولا حد لزمانه ، فالأجر باقٍ في ميزان المرء .

وأعمال الخير ( ونحن على مقربة من رمضان ) متنوعة ، ويُفتح للإنسان بابٌ من الخير يجد فيه رغبته ويفتح  لغيره باب آخر  ، فمن الناس من يقدّم صدقاته على الفقراء ومنهم من ينشغل في تفطير الصائمين، وآخرون همهم العمل التطوعي في المجال الصحي ، وأوجه الخير لا تحصر .

والوقف سياسة في العمل الخيري ، تستهدف الديمومة و تتطلب الدقة، وفكرته في تثبيت الأصل والتصدق بالمنفعة ، وليس المقام بمعين على الإطالة، بيد أن مما يحسن الاقتصار عليه، لفت انتباه بعض التجار لهذه السنة العظيمة ، التي يبقى أثرها ولاينقطع ، إذا أُحسن تنظيمها وتأسيسها .

خالد أوقف عقاره فلايباع إلا وفق آلية محددة ، وجعل ريعه على المحتاج من ذريته ، وهذا العزم المبارك ، ذكاء في الاستثمار ، فليست الدنيا دار بقاء للإنسان ، والموفق من تاجر الآن لينعم في دار البقاء الحقيقي ، لكن هذا الوقف ، يحتاج إلى من يديره ويقوم على شؤونه ، صيانة و تأجيراً ودفاعاً .

لقد يسّر الله لي أن أكتب رسالة الدكتوراه ( حوكمة الأوقاف ) ، وفي أثناء البحث زرت بعض الأوقاف وتبينت لي أمور ، من أهمها : 
1- وجود الرغبة الملحة لدى كثير من رجال الأعمال في الوقف ، لكنهم لم يتبينوا الطريق أو تهيبوها .
2- وجود أوقاف متوسطة الحجم تدار بطريقة بدائية ، تحتاج إلى تنظيم وإعادة هيكلة ، وإلا فمصيرها للنزاع والتعطل  .
3- تكرر الخلط في الإدارة لدى بعض الواقفين ، فمنهم من  يظن أنه يحق له التصرف في وقفه كتصرفه في ملكه الخاص .
4- وقوع البعض في المجاملة عند الصرف ، فيقدم مصرفاً على آخر أقرب منه ( دون حاجة ) ، والواجب الالتزام برغبة الواقف وشرطه .

إذن مالحل ؟
الحوكمة (Governance) جزء من الحل ، وهي شكل من أشكال الترتيب والإدارة ، نشأت في قطاع الشركات، تستهدف الشفافية و استقلالية الإدارة عن تأثير الملاك ، وتسعى إلى الوصول إلى المستفيدين وأصحاب المصالح بآلية دقيقة تضمن الإتقان في تحقيق الهدف معهم .

وحوكمة الأوقاف ترتبط بشكل لصيق بالواقف ،  فتبدأ بجلوسه مع المختصين ، يحدد أصول وقفه ،  وينتقي النظار ( مع ضبط دقيق لصلاحياتهم وآلية التصويت وغيرها من قواعد حوكمة مجلس النظارة ) ، ويحدد مصارف الوقف بتراتبية واضحة لاتشكل على النظار من بعده ، ثم يوثق ذلك في صك الوقف.

ومما يحسن التنبيه إليه ، أن لكل وقف ظروفه ، فليس من الحكمة أن نطلب أعلى معايير الحوكمة على وقف صغير أو متوسط ( قد ) ينتج عنها نفرة أو تهيّب ، وهذا يدركه المختصون الذين عالجوا الإشكالات ومارسوا في الميدان .
 هل من الحكمة أن أسس لإجراءات تعقد العمل وتؤخر الصرف بدعوى الحوكمة أو بدعوى النوعية في المصارف ؟! ،
وهل من الحكمة أن يتأخر النظار في قراراتهم حتى يفوت الزمان الأنفع للواقف ؟! . الجواب : لا .
ختاماً أقول ..
الاعتدال مطلب ، وليس من لازم تجويد العمل التضييق مطلقاً ، بارك الله في الجهود .