تحظى الدولة المتقدمة بمكانة عالية في سلّم الحضارة والنهضة، عندما تُقدّم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويكون سبيلها في تحقيق ذلك: وجود الإرادة الصادقة في مواجهة الفساد، والاستعداد بكل الممكّنات، والحزم في رفض أي اعتبارات من شأنها تشتيت التركيز عن تحقيق الهدف. 

لقد لفت انتباهي – بحكم تخصصي في موضوع الحوكمة - تركيز سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –رعاه الله- في أكثر من لقاء على مصطلح "الحوكمة"، ولأن المقال لا يتسع لشرح أبعاد هذا المصطلح، فيكفينا أن نُوضّح مفهومه فيما يتعلق "بالقطاع العام" وهو أن: يكون هناك تشريعات وسياسات تُنظّم جميع أعمال جهة الإدارة؛ لتحقيق أفضل الممارسات بكل شفافية ونزاهة، مع وجود آلية واضحة للرقابة الصارمة التي تحقق المساءلة العادلة من جهة، وتضمن كفاءة وفاعلية الأداء  وتقديم الفرص والخدمات بشكل عادل من جهة أخرى ، وهذا يُفسّر لنا سبب تركيز سموه على هذا الأمر، والذي دلّ على عمق الإدراك بمتطلبات تحقيق النزاهة والشفافية في كل المجالات، وعلى وضوح الوسائل والإجراءات الموصلة لذلك، والمتصفة بالدقة والحزم والتطور.

أصدر مجلسُ الوزراء في جلسته الأخيرة ، يوم الثلاثاء 21/8/1441هـ موافقته على (لائحتي تنظيم تعارض المصالح في تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، وتنظيم سلوكيات وأخلاقيات القائمين على تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحتهما التنفيذية ) ، وقد جاءت هذه الموافقة امتداداً لجهود سموه في تحقيق وعده بمكافحة الفساد دون استثناء لأحد ، وعند التأمل نجد أن الحوكمة حاضرة بوضوح فيما نصت عليه هذه اللوائح، فالحوكمة تتطلب وجود أُطر تنظيمية ونصوص قانونية تُمكّن من حماية حقوق جميع الأطراف تحت مظلة سيادة القانون، وقد احتفّت هذه التشريعات الجديدة بالأنظمة الصادرة سلفاً في المملكة العربية السعودية مع مجموعة من التطبيقات العملية، والتي أثمر عنها تقدم ترتيب المملكة في مؤشر مدركات الفساد CPI الصادر من منظمة الشفافية الدولية، وتقدم مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية G20.

كما أن من متطلبات الحوكمة تحقيق الشفافية والنزاهة في كل إجراءات الجهات والهيئات والمؤسسات ، وهو ما أكدته اللوائح الصادرة، بأهمية الشفافية والدقة في توضيح تعارض المصالح الواضحة أو المحتملة لكل من له تعامل مع هذه المنافسات الحكومية ، سواء من طرف الجهات الحكومية، أو من طرف المتقدمين على هذه المنافسات ، ولا شك بأن تحقيق الشفافية لا يكون إلا بالإفصاح في الوقت المبكر وبالطريقة القانونية، لذا تطلبت اللائحة التقدم بالإفصاح المكتوب؛ ضبطاً للإجراء، وزيادةً في تحقيق الشفافية، وامتدت المتطلبات إلى إلزام الجهة الحكومية بتضمين وثائق المنافسة والعقود التي تبرمها مع المتعاملين معها النصوص التي تنظّم تعارض المصالح بما يتفق مع أحكام النظام والأنظمة ذات العـلاقة واللائحة.

ختاماً : فقد مرّ معنا أن تحقيق الحوكمة بصورتها المتكاملة، يتطلب قيام مساءلة عادلة، وهو أمرٌ أكّدت عليه اللائحة بشكل واضح ، بأن المساءلة ستكون في مواجهة كل من له ارتباط بتنفيذ أحكام نصوص النظام ؛ فاحترام النص القانوني يتجلّى بتحقيق غاياته، ولذا يجدر بكل من له علاقة بالمنافسات الحكومية أن يقرأ ويفهم هذه النصوص ؛ ليدرك المتطلبات و يجتنب المخالفات .