تقدمت الإشارة في المقالات السابقة إلى أن الحوكمة بناء متكامل، و أشرتُ في أول هذه السلسلة إلى عنصرين مهمين فيها، وهما : الاستقلالية و الشفافية، وفي هذا المقال أتحدث عن المسؤولية والمساءلة؛ فتطبيق الحوكمة لا ينتظم بدونهما، كما لا يُمكن التقييم بموضوعية حال غياب عنصر من عناصر الحوكمة. 

تُدار المنظمات من كوادر يتمتعون بالصلاحيات اللازمة لأداء أعمالهم، و بحسب تراتيبهم الإدارية، ومعلوم أن الصلاحيات يلازمها تُحمّل لمسؤوليات، وبقدر صلاحيات المسؤول تكون المساءلة، لذا فمن المهم أن تكون الصلاحيات واضحة؛ ليتحقق الإعذار قبل المساءلة، و الحديث عن المسؤولية في المنظومة العدلية ( الجهات الثلاث المشار إليها سابقاً ” الضبط-التحقيق-القضاء” ) يُظهر ثقل الأمانـة و وزن التكليـف، وامتداد الأثر الناتج عن أعمالها ؛ لمساسها بمتطلبات وضمانات العدالة، و لذا تبرز ضرورة تكامل الجهود بين هذه الجهات، و أهمية توافقها على مراحل و نمذجة الإجراءات و تحديد متطلباتها؛ لمنـع وقوع التداخلات التي قد تُغفل عن تفريـط أو تجاوز.

لقد جاءت الأنظمة في المملكة العربية السعودية-على رأسها النظام الأساسي للحكم- معززة للضمانات والحقوق التي أصلتها الشريعة الإسلامية، ورجال الضبط و أعضاء النيابة و القضاة، لهم الصلاحيات المحددة وفق النصوص والقواعد المنظمة لأعمالهم، ولأن التقصير من طبيعة العمل البشري، كانت هناك جهات تتابع أعمالهم وتقوّمها، و تُـفـتّش و تُسائـِل، وهذا من صميم عمل الحوكمة.

إن إتقـان العمل وتجويد مخرجاته، لا يتحقق دون شفافية في الأهداف، ووضوح في الإجراءات، وتوفير للممكنات، وكيلا يكون العمل باجتهاد بعيد عن الكفاءة و الفاعلية، فلا بد من تحديد مؤشرات لقياس الأداء ( KPI) بشكل معلن، وبصورة متقنة و واقعية، تكون حينها المخرجات مكشوفة وظاهرة، و التي سيتبعهـا -كنتيجة طبيعية- جملة من القرارات: كتقرير المكافآت والترقيات، أو فرض العقوبات و المساءلات، ومما يحسن التنبه إليه عند التأسيس لهذه المؤشرات، مراعاة طبيعة الأعمال المقيسة، فلا يمكن أن تُطبق المؤشرات التي تناسب مصالح الأفراد، على أعمال مرتبطة بمصالح العموم، كما أن الحوكمة في كل قطاع من القطاعات الثلاث ( الحكومي-الخاص-غير الربحي ) لها سماتها و خصائصها.

وختامـاً : فالمسـاءلة غُـرم المسـؤولية، والشفافية في تحديد الأهداف والإجراءات إعذارٌ قبـل الإنذار، و تكـامل الجهود يحقق الغاية؛ فالجميع لديه الرغبة في تميّز هذا البلد المعطـاء .