يتبادر إلى الذهن عند قراءة العنوان المثل المعروف ( أهل مكة أدرى بشعابها ) ، فمكة - حماها الله - عُرفت بصعوبة تضاريسها وبكثرة جبالها .
والمقصد حين الاستشهاد بهذا المثل : إفهام المخاطَب بأن من عاش في بيئة كان أدرى بها وأتقن ممن يفد عليها من خارجها .
لقد تجاذب زملائي المحامون وأحبتي المتدربون والطلاب خلال فترة قريبة مجموعة من القرارات التي تلامس واقعهم وتمس موقعهم ، وما أحوجنا في هذا الوقت إلى التوسط في الطرح ، وإلى دعوة أنفسنا ( من جهة ) ودعوة وزارة العدل وهيئة المحامين ( من جهة ) إلى كلمة سواء ؛ ابتغاء التكامل
إن المنصف لا يبخس هذه الجهود المبذولة من ( الوزارة ) والجهود الملموسة من ( الهيئة) وأن باعثها صدقٌ وتلمسُ مصلحة ، والمحامي مطالب بقول الحق والعمل به ( وإذا قلتم فاعدلوا ) ، بيد أن السلامة الدائمة في عمل البشر متعذرة، والقصور واردٌ ومظنون .
هذه المهنة السامية تعلو وتتزيّن بعمل دؤوب من أبنائها ، ولم تكن المحاماة محل تنظير بارد بعيد عن تجاذبات الميادين ، ولا في طرح مثالي يورث تعقيداً على النشء ، فالمهنة تُطورها التجارب وتَصقلها الممارسة .
إن المحامين ركن ركين في هذه المعادلة ، ولا يمكن أن تظهر أرقامها صحيحة دونهم ، والقرارات والتشريعات التي تسقى بتجارب الممارسين تنضج وتؤتي أكلها ، والتي تُسقى بماء التنظير يطربُ لوصفها السامع البعيد وينكر وجودها الرائي القريب . 
إنني في هذا المقال أنشدُ الأمانةَ في الطرح والدقةَ في النصح ، ويدفعني إحسانُ ظن الكثيرين من زملائي، وهيئة المحامين تقوم بجهد مميز لإظهار بيئة المحامين بالشكل اللائق ، لكن يحسن التذكير بأن لكل مرحلة ما يناسبها ، فمرحلة التأسيس تتطلب تقريباً للآراء لا صداماً أو تشكيكاً ، وتتطلب إثباتاً لوجود الهيئة أمام الغير كمظلة يستظل بها منسوبوها ويُخاطبون من خلالها ، كما أن هذه المرحلة لا تتحمل ( الكثير ) من التشريعات ذات الأثر العميق والتأثير البعيد على المهنة ، حتى يكون القرار من المحامين 
وحدهم ومن خلال مجلس يمثلهم تمثيلاً كاملاً ، وقد يتبادر إلى الذهن أن كاتب المقال لا يدعم الهيئة ولا يشكر جهدها ! ، وهذا خلل عند البعض في مفهوم التقويم والنصح (فمع كوني أكملت كل متطلبات الانضمام لها وحصلت على العضوية الأساسية ) وأزور الزملاء فيها ، فلدي القناعة الكبيرة والتفاؤل العظيم بها ، وبأنها كانت حلماً لدى بعض أساتذتنا ، وأؤمن بأن البدايات صعبة ، وبأن التأسيس يعتريه ما يعتريه من تجاذبات وتحفظ ، لكن هذا لا يحجب أهل المهنة عن قول ما يرونه حقاً .
وأختم .. فالمتدربون والمتدربات أمانة يشترك في حملها (الوزارة والهيئة والمحامون ) والواجب تقاسم الحمل بعد قراءة فاحصة ومسح صادق للواقع، وأؤكد على أهمية ضبط مسميات الأشياء ومدلولاتها ، فلا نحمّل التدريب مالايحتمل، وأن نيسره وندنيه ليكون يسراً لا عسراً ، وداعماً لاعائقاً ؛ فهو بوابة الانطلاق والتنافس الشريف ، بارك الله في جهد الجميع .