تتمايز العلوم فيما بينها من خلال قراءات مختلفة ، قراءة من زاوية الأصالة والمستند التاريخي ، وقراءة تركز على حجم النفع العائد والمستهدفين منه ، وأخرى من خلال الوفرة المصطلحية لهذا العلم ، وهناك زوايا كثيرة تقيمّ من خلالها المعارف والعلوم .

الاندماج والاستحواذ مصطلحان طُرقا في علوم عدة ، تجدها في عالم المال والاقتصاد تارة ، وتارة بين أروقة القانون ، ومرة بين دفاتر المحاسبة والأرقام ، وهذا المقال فيه إشارة عجلى إلى هذين المصطلحين ، لعل القارئ الكريم يستزيد عنهما ، فالباحث العلمي قد يجد فيه مدخلاً لبحث يثري فيه المكتبة العلمية ، ورجل الأعمال يراعيه عند توسّع تجارته وكثرة شراكاته .

إن التسارع في الأعمال التجارية والحرص على مواكبة المستجدات واستهداف كثير من الكيانات إلى خفض تكلفة التمويل والحد من الهدر في الإنفاق ، كل ما سبق قرّب الكيانات إلى احتمالية تعرضها إلى الاندماج أوالاستحواذ ، كما نشاهد ارتباط كثير من القطاعات بقطاعات أخرى محصورة (كالنفط والعقار والاتصالات) والتي يغلب تأثير القرارات الحكومية عليها ، ثم ينسحب تأثيرها على عشرات القطاعات، التي تختلف في أحجامها وفي مدى تأثرها بالتذبذب والارتباك في الأسعار .

إن كثيراً من الشركات يطمح مؤسسوها للبقاء الطويل في السوق ، وعند اهتزاز مركزها المالي أو القانوني يعمد الناصحون فيها إلى إيجاد حلول تجنبهم (التصفية أو الإفلاس ) ، ومن بين هذه الحلول (الاندماج والاستحواذ) .

الاندماج أسلوب يقصده صاحب القرار (فرد أو جماعة) لعملية التوسع ، كما أنه يراعي بشكل واضح خفض التكاليف ، فعندما تندمج شركتان وتخرجان بمظهر جديد لدى العموم وبعلامة جديدة تتحد الجهود في الغالب ، ومن الطبيعي أن حجم الكيان الجديد سيشكل وزناً مختلفاً عنها مستقلة ، وهذه العملية تراعي في الأساس تقاسم المخاطر بين مساهمي الشركتين أو الكيانين .

أما الاستحواذ فهو مصطلح يعني (شراء) شركة لشركة أخرى في الغالب تكون أصغر منها ، وهذا المصطلح تفريعاته كثيرة ولا يسع المقال ذكرها ، لكن مما يحسن الإشارة إليه أن الاستحواذ لا يكون دائماً ودياً أو بشكل رضائي ، فقد يتمرد الصغير ويتمكن من الكيان الأكبر بحيل قانونية ! .

لقد ذكرت في ثنايا المقال أن الكيانات عندما تتعرض لظروف جديدة (ارتفاعاً أو انخفاضاً) تضطر أحياناً لبحث طرق مختلفة للبقاء ، ومن بينها (الاندماج أوالاستحواذ) ، ومن أبرز الأسباب لهذين المسلكين :

أ- خفض المصاريف.

ب- الزيادة في الحصة السوقية.

ج- التنويع في الأنشطة.

د- العمق في التسويق.

هـ - تحييد المنافس.

نظام الشركات السعودي في الفصل الثاني من الباب الثامن تكلم إجمالاً عن الاندماج ولم يتعرض للاستحواذ ، كما أن الاندماج لا يعالج في جميع حالاته وظروفه من خلال ثلاث مواد ، وهيئة السوق بدورها أصدرت ( لائحة الاندماج والاستحواذ ) المحدثة مراراً ، وهذه اللائحة تسد بعض النقص وتجيب عن بعض الأسئلة ، هذه اللائحة حددت في المادة الثانية نطاق تطبيقها ، فهي تنظم هذين الإجرائين على الشركات الواقعة تحت تنظيمها ، والسؤال كيف تتعامل الكيانات الراغبة في (الاندماج والاستحواذ)  وهي غير مغطاة بنظام الشركات أو لائحة الاندماج ، فكما مر معنا أن نظام الشركات أجمل الحديث عن الاندماج وأهمل الاستحواذ ، وهنا ذكرت لكم أن اللائحة نظمت الموضوع لما يقع تحت اختصاصها ، وهذا ساهم في ظهور اجتهادات لمعالجة غير المشمول في النظام أو اللائحة ، ولا أكتمكم سراً أن بعضها اشتمل على مجازفات غير مدروسة بسبب الغياب التشريعي .

وأختم بأنه من المهم أن تسعى وزارة التجارة وهيئة السوق المالية ( وفق اختصاصاتهما ) لإكمال جوانب النقص ليتسنى للمستثمر اختيار الحل المغطى قانونياً ..