قدمتُ بين يدكم المقال السابق كتوطئة لهذا الموضوع المهم ، وفي هذا المقال  سأسلط الضوء على الجرائم الأصلية ، فقد اتضح لنا جميعاً أن جريمة غسل الأموال هي جريمة متولدة عن جريمة أصلية وقعت ونتجت عنها أموال قذرة Dirty Money  ، وأذكّر بالمادة الرابعة من نظام مكافحة غسل الأموال ونصها:" تعد جريمة غسل الأموال جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية ..."فلكل جريمة اعتبار مستقل .

تصنيف الجرائم الأصلية مرّ بمراحل متدرجة ومختلفة ، بدءاً بجهود محدودة من بعض الدول كان تركيزها منصباً على جرائم المتاجرة بالمخدرات والمؤثرات العقلية ، فعلى سبيل المثال لوحظ من رجال إنفاذ القانون في أمريكا وأوروبا تزايد المتحصلات المالية من التجارة في المخدرات خلال الثمانينيات ، وعند صدور تقرير الأمم المتحدة عام (1994م) وجد أن الرقم المقدر لعمليات الغسل هذه هو ( 500 مليار دولار ) !! .

هذه الأرقام المخيفة أربكت الناصحين لاقتصادات دولهم ، فتصدر الموضوع اهتمام المنظمات الدولية ، وعُقدت من أجله المؤتمرات رفيعة التمثيل ، وأُسست لمكافحته الهيئات ، والتي من أشهرها (مجموعة العمل المالي FATF ) والتي قررت بالإجماع في شهر يونيو من عام 2015م منح المملكة العربية السعودية (مقعد مراقب) تمهيداً لحصولها على العضوية الكاملة ، تبع ذلك قرار مجلس الوزراء السعودي بالموافقة على البدء بإجراءات الانضمام إلى FATF  التي قدمت الدعوة الرسمية لحكومة المملكة بذلك .

لقد انتهجت كثير من الدول (حسب اطلاعي) منهجين عند تحديد الجرائم الأصلية وتعدادها ، فمنهج : لم يحصرها ويعددّها ، بل أعطاها الوصف العام وهو (الجريمة المدرّة للمال ) ، والمنهج الثاني : حصر الجرائم الأصلية وعددها بشكل دقيق ، وعند استعراض نظام مكافحة غسل الأموال السعودي نجده في الفقرة التاسعة من المادة الأولى عرف الجريمة الأصلية بـ:"أي نشاط يشكّل جريمة معاقب عليها وفق الشرع أو النظام".

وهنا أعرض لكم ما ورد في لائحة النظام (2/2) من تعداد للأنشطة الإجرامية أو المصادر غير المشروعة التي يعد الاشتغال بالأموال الناتجة منها عمليات غسل للأموال :

1 ـ الجرائم المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988 م .

2 ـ الجرائم الواردة في(اتفاقية باليرمو)المتعلقة بالجرائم المنظمة عبر الوطنية2000م .

3ـ الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لقمع تمويل الإرهاب 1999 م .

4 ـ تهريب المسكرات أو تصنيعها أو المتاجرة بها أو ترويجها .

5ـ جرائم تزييف النقود .

6 ـ جرائم التزوير .

7 ـ جرائم الرشوة .

8 ـ تهريب الأسلحة والذخائر وتصنيعها والمتاجرة بها .

9 ـ القوادة أو إعداد أماكن الدعارة والاستغلال الجنسي (بما في ذلك الاستغلال الجنسي للأطفال) .

10 ـ الجرائم المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر.

11 ـ القرصنة.

12 ـ الابتزاز.

13 ـ الاختطاف وأخذ الرهائن.

14 ـ القتل وإحداث الجروح البدنية.

15 ـ جرائم البيئة.

16 ـ السلب أو السطو المسلح.

17 ـ السرقات و المتاجرة  بالسلع المسروقة.

18 ـ النصب والاحتيال.

19ـ الاختلاس من الأموال العامة والخاصة.

20 ـ مزاولة الأعمال المصرفية بطريقة غير نظامية.

21 ـ ممارسة الوساطة في أعمال الأوراق المالية دون ترخيص.

22 ـ ممارسة أعمال التأمين بدون ترخيص.

23ـ جرائم متعلقة بالأنشطة التجارية (كالغش بالأصناف والأوزان والأسعار وتقليد السلع ، والتستر التجاري ،...).

24 ـ التهريب الجمركي.

25 ـ جرائم التهرب الضريبي .

* وأختم المقال بالإشارة إلى أن المنظم السعودي عند تصنيفه للجرائم لم ينغلق على نفسه ، بل راعى الاتفاقيات الدولية ، وتنبه لجهود الدول ذات الأنظمة المالية المتينة ، صحب هذا تطورٌ تشريعي خاص توجه على الإجراءات (المصرفية – الرقابية –القضائية) مما حدا بالمنظمات والهيئات الدولية المتخصصة لاحترام أنظمة المملكة ، مصداق ذلك العرض المقدم من FATF لحكومة المملكة للانضمام لها بعضوية كاملة .