يدرك المختصون أن جريمة غسل الأموال جريمة مترامية الأطراف ومتداخلة الحبال ، هذه الجريمة ذات الطابع الدولي حظيت باهتمام بالغ في المملكة العربية السعودية ، والمنصف حين يطّلع على جهود الجهات الرسمية من مؤسسات وهيئات ولجان لها ارتباط بهذا الملف ، ليفخر بما يراه ،ويدرك أسباب تقديم (FATF) الدعوة رسمياً لحكومة المملكة للانضمام لها بعضوية كاملة .

وفي هذا المقال الأخير  من هذه السلسلة ، سأخرج عن النسق المعتاد للمقالات (السردي) ، وسأشير إلى نقاط مهمة ألمحت إليها سابقاً ، من خلال تسلسل مقصود :

1- ورد في نظام مكافحة غسل الأموال السعودي ذِكْرٌ لبعض الجهات الرسمية المعنية بالتعامل مع هذه الجريمة ( جهات رقابية وسلطات مختصة) ، تتحقق من التزام المخاطبين في النظام بتطبيقه .

2- عددت الفقرة الرابعة من اللائحة على المادة الأولى من النظام الجهات الرقابية وهي :

أ- مؤسسة النقد . 

ب- هيئة السوق المالية .

ج- وزارة التجارة والاستثمار .

د- وزارة العدل .

هـ - وزارة العمل والتنمية الاجتماعية .

* وقد يضاف إليها غيرها حسب تقدير المنظم .

3- جاء ذكر السلطات المختصة في الفقرة السادسة من اللائحة على المادة الأولى وهي :

أ- النيابة العامة .

ب- وزارة الداخلية .

ج- رئاسة أمن الدولة.

د- الجهات الرقابية .

هـ- مصلحة الجمارك العامة .

و- الإدارة العامة للتحريات المالية .

* وأي جهة أخرى مكلفة بتنفيذ أحكام هذا النظام .

4- الإدارة العامة للتحريات المالية (وحدة التحريات المالية سابقاً) ترتبط برئيس أمن الدولة ، ولها الاستقلال الكافي في إجراء أعمالها ، بتلقي البلاغات والمعلومات والتقارير المرتبطة بغسل الأموال ، وتحليل البلاغات وإحالة النتائج إلى السلطات المختصة.

5- جدير بالباحث في هذا المجال أن يطلع على الجهود المحلية والإقليمية والدولية ، ومن أشمل الجهود التي يُتنبهّ لها ما قررته واهتمت به جهتان (دوليتان) هما :

أ- مجموعة العمل المالي (FATF) التي تأسست في عام 1989م خلال اجتماع القمة الاقتصادية الخامسة عشرة للدول السبع الصناعية ، وهي تضم مجموعة من الحكومات ، وتستهدف تطوير وترويج السياسيات على المستويين الوطني والدولي الموجهة لمكافحة غسل الأموال من خلال تكوين إرادة سياسية لذلك (إصلاحات تشريعية – رقابية ) ، وقد أصدرت (أربعين توصية) ترسم بها إطاراً عاماً لمكافحة هذه الجريمة .

ب- المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) :

أسست (منظمة الانتربول الحالية) عام 1946م ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (وانضمت المملكة لها في عام 1956م) ، وهي منظمة دولية تعمل على مكافحة الجريمة ، واستناداً إلى المادة الثامنة من دستورها فإنها تهدف إلى تأكيد وتشجيع المعونة المتبادلة بين سلطات الشرطة الجنائية في حدود قوانين البلاد المختلفة وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

 

6-يتساهل البعض في التعامل مع الأموال ، وقد جاء في النظام تعداد لصور كثيرة صُنّفت على أنها من جرائم غسل الأموال ، فمنها :

أ- تحويل مالٍ أو نقله مع العلم أنه متحصل من جريمة ؛ لإخفاء مصدره غير المشروع أو لمساعدة متورطٍ في ارتكاب جريمة أصلية .

ب- إخفاء أو تمويه طبيعة المال أو مصدره أو ملكيته أو الحقوق المتعلقة به ، مع العلم  بأنه متحصل من جريمة أصلية .

ج- الشروع في ارتكاب الأعمال المنصوص عليها في الفقرات (1-2-3) من المادة الثانية في النظام ، أو الاشتراك في ارتكابها أو المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو النصح أو التستر أو التأمر .  ( تراجع المادة الثانية لأهميتها) .

7- يجب على المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة ، والمنظمات غير الهادفة للربح (بما في ذلك الأشخاص الذين يقدمون خدمات قانونية أو محاسبية ، عند اشتباههم بأن الأموال من متحصلات جريمة ، أو ترتبط بعملية غسل أموال أن يبلغوا الإدارة العامة للتحريات المالية ويستجيبوا لكل ما يُطلب منهم ، وقد أكد المنظم على خطورة هتك السرية في تداول المعلومات وعلى خطورة تنبيه هذه الجهات لعملائها أو غيرهم بأي إجراء تم تقديمه للسلطات المختصة .

8- يجب على كل شخص (يدخل أو يخرج ) من المملكة وبحوزته أموال أو مجوهرات أو سبائك ذهبية أو معادن ثمينة أو أحجار كريمة أو عملات أجنبية تبلغ قيمتها أو تزيد عن (60.000) ريال ، الإقرار بذلك كتابياً أمام مصلحة الجمارك العامة ، ويشمل ذلك ما يُنقل عن طريق خدمات الشحن والخدمات البريدية وأي وسيلة نقل أخرى ، ومن المهم أن يحتفظ الشخص بفواتير الشراء لمقتنياته التي تساوي أو تزيد عن الحد المذكور في اللائحة ؛ لاحتمالية الحاجة لإبرازها حال سفره بها .

9- جاءت العقوبات في الفصل السابع من النظام : بأن كل من ارتكب جريمة غسل أموال يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن سنتين أو بغرامة لا تزيد عن خمسة ملايين ريال ، وعند اقتران الجريمة ببعض الحالات والظروف فلن تقل عن السجن لمدة ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال ، وقد تجتمع العقوبتان ، كما أن المدان معرض للحكم بمنع السفر ومصادرة متعلقات الجريمة ، ويحسن بالقارئ  الاطلاع على مجموعتي الأحكام الصادرة من وزارة العدل لعامي (1434هـ  المجلد رقم 24 ، 1435هـ  المجلد رقم 12) وإن كانت الأحكام على النظام السابق ، إلا أنها تثري الباحث من جهة تسبيب الأحكام وتمييز الوقائع المنتجة .

10- اعتنى المنظم السعودي بـ (حسن النية) في كثير من الأنظمة ، وظهر ذلك جليّاً في نظام مكافحة غسل الأموال ، فعند مصادرة متعلقات جريمة غسل الأموال روعي حقه إن أثبت أنه حصل عليها بقيمة مناسبة ولقاء خدمة حقيقية مع جهله بمصدرها غير المشروع ، وحقه في الإثبات مكفول شرعاً ونظاماً حتى ولو آلت الأموال إلى الخزينة العامة وفقاً للمادتين (33- 36) ، وثبوت حسن النية عائد لنظر القضاء من خلال الوقائع والملابسات في القضية .

* وختاماً ، فإني أؤكد على ما ذكرته من خلال هذه السلسلة من أن هذا الموضوع يحتاج إلى الكثير من الطرح والتثقيف ، وزادت الحاجة لذلك مع كثرة تعاملات الناس وحداثة بعض الوسائل في التعاملات المالية التي يسّرت تداول الأموال ، فعلينا جميعاً التنبه لضوابط النظام ، والحذر من التساهل في تمكين أعداء الوطن من اتخاذ حساباتنا المصرفية جسراً لمرور الأموال غير المشروعة .