تكلمت في مقال سابق عن التركات المعطلة ، وذكرت بأن أثر تعطلها جاوز الأفراد إلى التنمية، ورغبت في هذا المقال أن أتوقف مع بعض المسائل التي تستوحى من صفحات الدعاوى، وتحتاج منا إلى وقفة وتأمل:
أولاً : 
جاءت الشريعة الغرّاء بحفظ الحقوق وصيانتها، ومن أظهر الصور على ذلك :  أن الله -سبحانه - قسّم الأنصبة في محكم آياته- وكفى هذا العلم شرفاً بهذا-، وشرحتها السنة بمتضافر الأخبار ، وقايس بين أشباهها أعلام الصحابة .
ثانياً : 
ألاحظ كما يلاحظ غيري، تساهلاً عند بعض أصحاب الأموال في توضيح أموالهم وتبيين الحقوق التي لهم أو عليهم، مما يضطر الورثة إلى البحث والتحري- وخلال هذا الوقت - قد تتعطل بعض الأموال التي تتطلب طبيعتها الرعاية والمتابعة والإصلاح، وكان الأولى أن يُطبّق الأمر الرباني " فاكتبوه" .
ثالثاً : 
وقفت على حالات كثيرة لإخوة أحسنوا في أموال إخوتهم الصغار، ونَمَتْ في أيديهم ، بل إن بعضهم حاط مال إخوته بالرعاية أكثر من ماله الخاص، والخيرون كثر في هذا البلد المبارك، ولا ريب أن هؤلاء قسّموا الأموال وأوضحوا الأنصبة، وهي الخطوة الأولى نحو حفظ الحقوق .
رابعاً :
وكما أن هناك من الصور المشرّفة في تعامل الإخوة مع أنصبة إخوتهم، فإن هناك أخرى تقف أمامها متعجباً، فبعض الورثة  - غالباً هم  من الكبار –يتأخرون في قسمة مال مورثهم، وفرز أنصبة من معهم من الورثة، بمبررات لا تستند على دين أو عقل، وكأنهم يفرضون وصاية على بعض إخوتهم، ولهذا صور :
 أ- تأخير قسمة التركة؛ زعماً بأن القسمة قد تتسبب في تفريق الإخوة، وهذا وهم، فالتعجيل في القسمة يساعد على الاستقرار أكثر من التأخير؛ لمظنة حاجة البعض التي يصحبها الحياء من الطلب، ويبرز هذا عند النساء، فتتحرج من الطلب؛ كيلا يُظن أن هذا بإيعاز من زوجها !! .
ب- تأخير قسمتها؛ حتى يكبر الصغار، و يقال لهم: أن القاصر ( عقلا أو سناً ) يولّى عليه (ولاية لرعايته وحفظ حقوقه ) بأمر القضاء، أما غير ذلك ، فالمكلف لا يجوز حبس ماله بغير رضاه ، ولقد اطلعت على بعض الحالات ، يكون الوارث في آخر مراحل الجامعة ، ولديه احتياجات لا يتمكن من توفيرها، و ماله محجوز عنه، وتُؤدى زكاته، وهو لا ينتفع به !! .
لاريب أن الله سبحانه عندما قسّم المواريث وحدد الأنصبة أعلم بالصالح لعباده، وأن الحرص والخوف على أختك أو أخيك لا يبرر ترك المال بلا قسمة، وكم من تركة أُجّلت قسمتها فمات بعض الورثة وتراكمت الحقوق،  وذلك بسبب تعنتٍ أو قصور نظر .
ومما يؤسف أن تجد بعض الورثة الكبار يملكون الأموال ويتصرفون فيها ، وهم في رغد من العيش، بينما إخوتهم يضطرون للاقتراض تحرجاً من مناقشة إخوتهم  ! .
ومن زاوية أخرى :
فإلى متى سيحجز المال ؟
مآله لصاحبه، فإن كان صالحاً انتفع به في خير، وإن كان غير ذلك فهو محاسب على كل أفعاله كغيره من المكلفين .
خامساً : 
تحزن عندما تقف على بعض القضايا التي تنازع الورثة فيها بسبب : كتابة مورثهم العقارات بأسماء الذكور ! وحرم الإناث، والله سبحانه أمر بالعدل، والنبي ﷺ قال : " استوصوا بالنساء خيراً  " ، وهو أمر نبوي بالرفق بهن والإحسان إليهن .
وإن سلمت التركة من هذا الفعل ، فهناك من الورثة من يظهر لديه هذا المعتقد السيء: في عدم إدخال البنات بقسمة العقار؛ لأنه يرى في ذلك مشاركة للأجنبي معهم ( زوج ابنتهم !! )، ولا أعلم من الذي أوهمهم بتوريث زوج البنت !!، أما ادعاء تأثيره على قراراتها فلا يبيح لهم تعطيل حقها أو إحراجها بتقييم نصيبهافي العقارات لإخراجها منها ! .
- حتى وإن رضيت ؟
الرضا يسقط أكثر من هذه الحقوق ، لكن هل التطبيقات التي تمر على المحاكم تعكس رضا حقيقي ؟ أم  أنه ناله سوطُ الحياء ؟! .
سادساً :
نصيحتي لمن تولى أمر إخوته ، ألا يتأخر في قسمة المال وتوضيح الحقوق ، فإن الأعمار قصيرة، وليكن صادقاً مع نفسه، ويوضّح مالهم وما عليهم ، ثم كلٌ مؤاخذ في ماله ، فالصالح سيحفظه الله ، ومن رأى من إخوته تبذيراً أو تساهلاً فليتعاهدهم بالنصيحة، وهذا هو السبيل الأنفع والطريق الأرفق، والمحاكم تشهد نزاعات بين إخوة جمعتهم الرحم وفرقتهم المبالغة في الوصاية، وفي نهاية الأمر سيفصل القضاء دون مجاملة لأحد، بقسمة جبرية؛ غالباً ما تؤثر على قيمة الأملاك، بخلاف التي تصفى بترتيب واتفاق بين الورثة، والحمد لله على كل حال .