تعتني الدول المتقدمة عناية كبيرة بالقطاع العقاري ، فهو يشكل ثقلاً في ميزان الدخل القومي لكثير من الدول ، بل يحتل المرتبة الأولى في اقتصادات بعضها ، ولهذه المنزلة المهمة أسباب :

1- حجم السيولة التي تُضخ فيه .

2- كثرة المتعاملين مع منتجاته  .

3- تنوع الأعمال في القطاع (شراء – بيع – تأجير-وساطة) .

4- استقراره .

5- ارتباطه بكثير من القطاعات .

6- رغبة الناس في تملك الأصول .

  • وغيرها .

ولما كان القطاع بهذا الوصف ؛ صار محط أنظار الجميع ، التجار الذي يتحرون السلامة في رزقهم ، والعابثون الذين أغرتهم الأموال المشبوهة ، ممن حولوه لساحة فسيحة لعمليات غسل الأموال ، ولقد تنبهت كثير من الدول لهذا وآمنت بخطورة الأمر ، فصدرت التقارير الدولية من المنظمات المختصة بالتنبيه –وأحياناً- بالإنذار الموجه لبعض الدول التي تغافلت عن ضبط أنظمتها، أو سهلّت تمرير هذه العمليات من خلال مشاريع عقارية وهمية .

إن التشريعات المتينة المتبوعة بسلسلة إجراءات دقيقة، لتعكس مدى صدق السلطة في تحقيق الشفافية و إبراز النزاهة في اقتصادها، إذ التشريع المحكم سيضيق الثغرات النظامية أو ينهيها ، والإجراءات الواضحة ستعرّي التحركات المشبوهة وتساعد  في كشفها ، وبالتالي ينتج عن هذا نظام مالي متين واقتصاد وطني نظيف ، جاذب لا طارد  .

 وأصبح الأمر واضحاً .. فبعض الأسواق العقارية قامت على أموال مشبوهة ، ولقد أشرت إلى قريب من هذا الملمح في سلسلة مقالاتي عن ( جريمة غسل الأموال ) في هذه الصحيفة .

لقد مر معنا القول بأن الأموال الناتجة عن غسل الأموال هي جرائم اقتصادية؛ لأن تأثيرها يمتد إلى الجميع ، وتعكس أرقاماً كالورم الذي يظنه المتابع لحماً ، فحين تدخل الأموال وتمرر من خلال عقار يشترى ويباع بعيداً عن قيمته السوقية ، ثم تودع في البنوك ، لتنتقل إلى مكان آخر وبصبغة مشروعة ، فأنت أمام جريمة تعبث  في الاقتصاد .ثم إن هذه المبايعات الكاذبة ستؤثر لامحالة على شبيهاتها في السوق ، ثم ينتهي المشهد بالمؤسسات المالية التي اتُخذت جسراً لنقل الأموال .

وفي المملكة العربية السعودية نص نظام غسل الأموال على جملة من التصرفات التي تقع على العقارات ، من بيع أو شراء أو رهن أو سمسرة أو غيرها، ولا مراء وبشهادة المختصين ، فإن النظام المالي السعودي نظام متين ، والجهود التي تبذلها الجهات الرقابية جهود حثيثة ومثمرة ، ويُحمد لها مواكبة التطورات التشريعية العالمية من منظمات عالية التخصص كـ ( FATF ) وغيرها .

 

 

لكن هل هناك مؤشرات تثير الريبة حول بعض العمليات المنفذة على العقارات ؟

الجواب : نعم .

يلاحظ على بعض الصفقات ما يلي :

  1.  أنها تتم بقيمة تقل كثيراً عن سعر السوق وبدون مبرر واضح، وأثر عكس هذا مراعى في النظام ، ففي المادة الثالثة والثلاثين من نظام غسل الأموال المتعلقة بمصادرة الأموال المرتبطة بجريمة غسل الأموال نُص على أن من أثبت تملك المال بقيمة عادلة أو مقابل تقديمه لخدمة تناسب الثمن ، لا يصادر منه المال مادام حصل عليه بطريق مشروع  .
  2. دفع العربون عليها ( نقداً) وتكرار استرجاعه بشيكات أو حوالات !! .
  3. تكرار تسجيل بعض الأفراد عقاراتهم بأسماء آخرين .
  4.  تحويل  الأموال إلى دول عالية المخاطر ،  أو استقبال الأموال منها ثم شراء الأصول بها .
  5. طلب استئجار العقارات بقيمة عالية جداً ، ثم ترك العقار دون استغلاله مع الاستمرار في دفع الأجرة ! ، والغاية نقل المال من دولة إلى أخرى على أنه قيمة أجرة .

* ويحسن القول بأن بعض هذه الحالات قد تقع دون توافر أسباب التجريم ، لكن من المهم أن نتنبه لها فقد يُمرر من خلالنا ما يضرنا ويضر بلادنا, ومن يجهل يسأل ، فإن شفاء العيّ السؤال .

وأختم بنصيحتي للمتعاملين في القطاع العقاري – ممن يستثمر داخلياً أو خارجياً - بضرورة ضبط تعاملاتهم، والتزامهم بطرق الدفع المصدقة –وهو ما جاءت به التعاميم لكتابات العدل– إذ التعامل بـ (النقد) مفتاحٌ لتداول المال دون رقابة ، وضرورة تنبههم عند تحويلهم للأموال إلى قوة الأنظمة في الدول المستقبلة لها ، وإلى دقة الإجراءات فيها ، وكثير ممن أعرف لا يقبل المشاركة في تكتلات عقارية دون تثبت من نزاهة القائمين عليها واستعانتهم بالمستشارين القانونيين ، وهناك صفقات عقارية هي غاية في التعقيد ، ولا يمكن أن يستوعبها المستثمر المبتدئ ، يمكن أن يُوظف هذا التعقيد لأغراض إخفاء مصادر الأموال أو مصيرها .