تتأثر البيئات الاقتصادية بعوامل مختلفة ، ومما يُذكر في هذا الباب تأثرها بطبيعة مجتمعاتها ، فالاقتصاد ليس بمعزل عن تركيبة المجتمع وثقافته ، ويبرز في المجتمعات العربية الترابط الأسري –ولله الحمد- ، ويمتد أثر هذا الترابط إلى مختلف الأنشطة ومن أظهرها : النشاط التجاري ، فتكونت ثروات عائلية ، قادها مؤسسون من الأسرة إلى تحقيق نجاحات كتبت لهم رقماً في قوائم أثرياء العالم .
إن طبيعة الإنسان الحرص على سلامة جهده وتنميته وتجنيبه الأخطار ، ويظهر هذا لدى الجيل الأول من المؤسسين للثروات العائلية ، وفي بعض الحالات يتبعهم الكبار من الذرية ممن أدرك عناء المؤسس وكفاحه ، ولذا تجد في وصايا بعض رجال الأعمال اللغة الحادة في تحذير ورثته من بث الخلاف وزرع الفرقة التي توغر الصدور وتوصلهم لبعثرة ما جمعه لهم ، فكبار السن يدركون أهمية الاجتماع وأثره .
لكن هل كل مريدٍ مدرك لمراده ؟ وهل استعمال الوعظ كافٍ في ضبط تصرفات الورثة ؟
الجواب : لا .
فواقع المحاكم دليل بيّن بأن مجرد الوعظ لم يحمي الورثة من الخلاف  ! ، والمؤسف أن غالب هذه النزاعات تؤثر سلباً على تقييم التركة ؛ لأن الولوج من باب المحكمة يجبر الورثة على القيام بسلسة من الإجراءات التي تأكل وقتهم ، وهذا أمر يدركه التجار الذين ينوون الدخول في المزايدات على التركات ، لأنه سيرصد المال زمناً ، ورصده المال له أثره على القيمة التي سيتقدم بها ، وتزيد المسألة تعقيداً إذا كان من بين الورثة (قُصّر) .
وهنا وقفة جادة أنصح من خلالها المؤسسين للثروات العائلية ، بأن يقدموا المصلحة على المجاملة ، والعزم على التردد ! ، وهذا يكون بسماعهم لنصيحة المختصين والممارسين في تنظيم الشركات ، و تطبيق الحوكمة بات ضرورة لا ترفاً  للشركات المتوسطة والكبيرة ، وندرك أهميتها من آثارها ، ومن زيادة المواد الملزمة بها في نظام الشركات ولائحة الحوكمة الصادرة من هيئة السوق المالية .
كانت التجارة في وقت مضى تقبل المرونة القائمة على يسر الحياة وبدائية الإمكانات ، بيد أنه مع تقدم الوقت اختلف الأمر ، وصارت الشركات العائلية التي لا تحرص على تطبيق الحوكمة معرضة للمشكلات ، التي من أبرزها تدخل الملاك في إدارتها ، وتعارض المصالح ، وغياب الشفافية ، ولا شك أن هذه البيئة طاردة ، فالمستثمر الحريص لا يمكن أن يساهم في شركة هذا حالها ، وفي جهة أخرى ، نجد شركات في السوق السعودي بادرت بتطبيق معايير الحوكمة  ، وأنشأت إدارات للالتزام في وقت مبكر ، مستشعرين أهمية ذلك على ديمومة شركاتهم ، و أثرها على رغبة المستثمرين المحليين والأجانب .
وأختم هذا المقال بالدلالة على جهد مميز قامت به وزارة التجارة والاستثمار ؛ بإصدارها ميثاقاً استرشادياً أسمته (الميثاق الاسترشادي للشركات العائلية السعودية) 1439هـ ، المنشور في موقعها الرسمي ، الذي جاء بناء على إدراك أهمية تأثير الشركات العائلية في الاقتصاد ، وجاء أيضاً من تلمس أوجه الخلل والقصور في هذا النوع من الشركات ،  وهو إسهام مشكور من وزارة التجارة والاستثمار في تخصصها ، ويجب أن تتضافر الجهود (تشريعياً وإجرائياً ووقائياً) لحماية هذه الثروات ؛ لتأثيرها على عشرات الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها .