شهدت الوزارات والهيئات في المملكة تطوراً ملحوظاً في العديد من المجالات , فالدعم الكبير من القيادة - وفقها الله - لم يترك للمسؤول العذر في التقصير, ومع ما نَنعَم به من أمن ورخاء, وما نفخر به من تنافس أبناء الوطن المخلصين لخدمة دينهم ووطنهم , فالمنتظر أن تُسخّر هذه الموارد و تُوجّه لأفضل المصارف.
هذا التطور- خصوصاً التقني منه – استفاد منه المواطنون والمقيمون, فأصبحت المعاملات تُنجز بشكل مُيسّر وسريع, و وزارة العدل من بين الجهات التي واكبت هذا التطور, فعلى سبيل المثال لا الحصر : تيسير إصدار الوكالات وفسخها, والاطلاع على ضبوط الجلسات , وتقييد الدعاوى، وغير ما ذُكر من خلال أنظمة متميزة كنظام (ناجز), ومن الحَسن أن نذكر المزايا ونُشيد بجهود الباذلين لهذا الوطن ، ثم نُقدّم المقترحات ؛ فالبناء يتشارك فيه الجميع.
والتطوير البشري لا يقل أهمية عن التطوير التقني, إذ الإنسان صانع التقنية وموجهها, ولا يمكن له أن يحقق النجاح إلا إذا غُذّي بالعلم وذُكّر بمتطلباته, ويتكرر أمامنا طرحٌ مفاده : أهمية تأهيلِ كادرٍ إداري يقوم بجميع الأعمال في الدائرة القضائية ؛ ليتفرغ القاضي لعمله الحقيقي : سماع الدعاوى والإجابات عليها, ومناقشة الأطراف والشهود , وتأمل الوقائع وصياغة الأحكام وسبكها , لا أن يُشتت بأعمال تُفني طاقته و تُشتت ذهنه وتعكّر تأملاته، وفي المقابل فإن طرحاً آخر لا نسمعه إلا نادراً وعلى استحياء ، وله أهميته وأثره المباشر على جودة أداء العاملين في الميدان العدلي، وهو : تقديم الدورات وتنمية المهارات المعينة على فهم الجمهور وذوي الطباع الصعبة .
الاحتكاك بالمختصين الممارسين في مجالات مختلفة وبعيدة عن القضاء وبيئته ، يفتح آفاقاً جديدة من العلوم ويُبصّر بها، وإن مقابلة الجمهور  والسماع لهم ، مع اختلاف طبائعهم ، أمر لم نعتد عليه قبل النزول إلى ميدان العمل، ولم نتعلمه دراسياً، وفي هذه الدورات اختصار للجهد والوقت، ومما يؤكد الحاجة لها ما نعايشه – أحياناً - في بعض الجلسات ، من تجاذبٍ للحديث بين موظف ومراجعٍ أتى بدون موعد، دون مراعاة للمترافعين، فتتوقف المرافعة و تنقطع، وما يُلحظ في بعض الجلسات من ارتفاعٍ لصوت القاضي أو الخصوم، وهنا وقفة مع أهمية : ( الهدوء في الجلسة القضائية ) , إذ ارتفاع الأصوات يشحن النفوس، ويُبعد الجميع عن تحقيق العدالة، بل ويُقرّبهم لشخصنة المواقف . ولا ريب أن الجميع مُطالَبٌ بالتأدب واحترام مجلس القضاء, بيد أن الخطاب الموجه للقاضي أهم وأولى، فهو صاحب السُلطة التي لا حاجة معها  لرفع الصوت، وإظهارُ الحزم يكون بطرقٍ أخرى تتناسب مع سمت المجلس القضائي, فكم من قاضٍ لا تكاد تسمع صوته ، والجميع يقر بهيبته وحسن إدارته, وحين يرتفع الصوت على شيخ كبيرٍ أو امرأةٍ حييّةٍ، فغالب الحال أن الحُجّة ستغيب عنهما ، ولنتأمل سطرين من رسالة  عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري ) الرسالة العمرية الشهيرة ) ، التي تصلُح لتوجيه كل من تولى فصل خصومة بين الناس، يقول عمر في جزء منها : " وإياك والغضب والقلق ، والضجر، والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ، ويحسن بها الذخر  "  ، وأؤمن بأن القضاة تحملوا حملاً ثقيلاً ، وجلسوا للفصل في الخصومات, و إذا تذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاضياً ، أدركنا شرف هذه المهنة وعلو مقامها , ومن تردد على المحاكم وحضر الجلسات القضائية واطلع على حاجات الناس ولاحظ انفعالاتهم , لم يكن أمامه إلا الدعاء للقضاة بالإعانة والتوفيق , فالواحد منا لا يحتمل إلحاح ابنه في أمر يسير , فكيف بجموع من الناس لهم مطالب مختلفة وأساليب متباينة .
وختاماً فإن تيسير شؤون القضاة وسدّ جميع احتياجاتهم التي تتناسب مع منزلتهم , يؤثر إيجابياً على سير العملية القضائية , ويرفع مستوى الجودة والإنجاز ,  وكل هذا يتجه نحو تحقيق الأهداف المرسومة للقطاع العدلي في برامج الرؤية 2030  ، وكلُ أمرٍ يؤثر في تحقيق العدالة واجبُ الإيضاح , سواء كان تأثيره إيجابياً أو سلبياً , ولن نحقق النجاح إلا بالتذكير والمكاشفة ، والبعد عن التشاغل والمجاملة .