نشرت الهيئة العامة للعقار بعض التشريعات لاستكتاب المختصين، استناداً على قرار مجلس الوزراء رقم (713) وتاريخ 30/11/1438 الذي يفيد البند (ثانياً) منه على وجوب نشر مشروعات الأنظمة لتمكين الجهات والأفراد من إبداء مرئياتهم ، و هذا المقال مساهمة في تحقيق ما يتغياه المجلس من قراره ، ومما طُرح ( مشروع نظام الوساطة العقارية ) الذي سيحل مكان (لائحة تنظيم المكاتب العقارية) الصادرة منذ 42 عاماً ، والتي لوحظ أنها لم تعد تواكب الطفرة العقارية، وأفرز ذلك إشكالات في السوق العقاري،امتد أثرها  ليخلق تفاوتاً في التطبيقات القضائية .

قرأت مشروع النظام مراراً ، وعدت إليه بعد نقاشات دقيقة مع بعض المختصين ، وخَلُصتُ إلى جملة من الملاحظات العامة سأورد أبرزها مع ذكر الأمثلة، ولا يعدو هذاالطرح أن يكون رأياً يقصد الإضافة و النفع  :

1- بَذلَت الهيئةُ العامة للعقار جهداً طيباً في هذه المبادرة وكتابة مواد المشروع ، ويجب أن يُحفظ لهم ذلك ، ولكن كما قيل بأن عين الناقد بصيرة ، ومحاولةُ التأسيس–تشريعياً- لهذا الموضوع الضخم (الوساطة العقارية) عمل ليس بالهّين .

2- أرى أن النظام يحتاج إلى إعادة صياغة ، فهناك مواد جاءت غامضة (على المختص القانوني) فكيف بغيره ، وبعضهااشتملت على أخطاء لغوية ! وأخرى تتناقض بنفسها ، فعل سبيل المثال في م28/3 " يتولى مسؤولي " والصحيح " مسؤولوا " لأن إعرابها فاعل، وفي الفقرة4 "يلتزم الوسيط العقاري ومنسوبيه " والصحيح "منسوبوه" لأنها معطوفة على مرفوع ! ،مما أورد عندي تساؤلاً، هل تم عرض النظام على مدققين لغويينقبل نشره للعموم ؟ ، ومثال التناقض نص المادة 15 ، فأولها يسمح بزيادة بنود على العقد وآخرها يعتبرها باطلة ! وهذا نصها : " لأطراف عقد الوساطة الاتفاق على بنود إضافية على نموذج عقد الوساطة الصادر عن الهيئة ، ويعد باطلاً كل بند يتعارض مع النموذج أو أحكام النظام أو اللائحة " ، هذه صياغة مربكة !.

3- من المعلوم أن الأنظمة منها ما يكون موضوعياً ومنها ما يكون إجرائياً ، ويُتنبه عند التأصيل الموضوعيأن يكون محكماً ، وألا يتسبب في اضطراب عند النظر القضائي ، فيحلّ الترددبين الرجوع للنص النظامي (غير المُحكم ) ، وبين  التوسع في سلطة التقدير يتبعها حينهاتجاوز النص ، ولقد ظهر عندي هذا التخوف عندما خاض المشروع في مسألة (العربون) ،ففي الفقرة (1) من المادة 20 ، أُخضع تحديد مقدار العربون للأطراف ! وبالاطلاع على السوابق القضائية ، يتضح أن حجم العربون مؤثر ، فليس كل ما سُمّي عربوناً هو عربون ، بل –أحياناً-  يُقصد به الجزء من القيمة لا مجرد إثبات الجدية–خصوصاً إذا كان مقدارهكبيراً - ، حينها كيف يسوغ تفويت المال على باذله استناداً على تجويز النص في هذا المشروع لذلك ؟! ، وفوات العربون قد ورد في الفقرة الثانية من ذات المادة  ، ثم خُتمت الفقرة بذكر حالات التعثر ومعالجتها إذا كان التعثر من طرفي الصفقة ، ولم تورد احتمالية وقوع التعثر بسبب الوسيط!.

* لهذا يجب إعادة النظر في إضافة هذه المادة، كماأن السمة الظاهرة لأغلب الأنظمة في المملكة – إلى هذا الوقت - الابتعاد عن مسائل الخلاف الفقهي ، وإفساح المجال للاجتهاد القضائي .

4- لم يكن المشروع ذا منهج واضح في سياسته الجنائية ، فباب العقوبات مليء بالملاحظات :

أ-في الفقرة 2 من المادة 29 ، أُعطيت الهيئة صلاحية إيقاع العقوبة دون إتاحة فرصة للمعاقب بالاعتراض أو سماع الأقوال ، أما تمكينه من التظلم خلال 60 يوماً فليس بكافٍ ، فقد يعظم الضرر عليه خلال المدة التي تسبق قبول أو رفض التظلم .

ب-النص على الجهة القضائية المختصة كان ( مضطرباً  ) ، ففي ذات الفقرة جاء النص " الجهة القضائية المختصة " ، وفي المادة الختامية رقم 35 جاء النص " تنظر المحكمة المختصة في جميع الدعاوى والمنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام النظام " ولفظ " جميع " غير دقيق ؛ لاختلاف الاختصاص القضائي في الدعاوى والعقوبات الناشئة عن تطبيق النظام .

5- من الحكمة إعطاء النص التشريعي المرونة التي تنعكس على الواقع ، إذ المطلب التيسير على الناس ، أما كثرة القيود في النظام فستكون سبباً في تعطيل الأعمال ، وعلى سبيل المثال : تقييد الملاك والوسطاء بعقد حصري ، وهذا يواجه تمنّعاً واضحاً من الملاك ولا يتماشى مع ما استقر عليه عمل أكثر العقاريين ، والحل في رأييبإتاحة الأمر للمالك أن يوقع مع أكثر من وسيط كما هو في بعض القوانين العربية الأخرى بآلية دقيقة تحفظ الحقوق ، والعبرةبمن يحقق الغاية المنصوص عليها في العقد ، كما أنه يمكن أن يطرأ على الوسيط ما يشغله عن التسويق أو يصرفه عنه ، فتتعطل مصلحة المالك بسبب هذا العقد الحصري .

6-في المادة الأولى (التعريفات) ، جاء تعريف (الصفقة العقارية) بـ : " بيع أو إيجار عقار " ، وفي هذا حصر قد يمنع تطبيق النظام على بعض المعاملات العقارية الأخرى ، كالتمويل العقاري وغيره  .

7-نُص في المادة الثالثة على نطاق التطبيق ، وأن الأحكام تسري على .... " إذا كان مقدمها وسيطاً عقارياً"  ! ،وهذه الزيادة لا ثمرة منها ؛ لعدم توافقها مع آخر النظام الذي أوقعبعض العقوبات على من مارس الوساطة بغير ترخيص ، فكيف ستعاقب من لا تسري عليه أحكام النظام ؟! .

8- فيفصل ( حقوق والتزامات الوسيط ) : المادة 16 : أُلزم المالك بتزويد الوسيط بوثائق التملك وبالإفصاح عن أي نزاعات و..... إلخ ، لكنها لم تذكر جزاءً على المالك حالمخالفته أو تدليسه على الوسيط ! ، ومن المهم أن نحترم جهد الوسيط ، وفي المادة 17/1: نُص على أهمية بذل العناية من الوسيط في التأكد من صحة المستندات وسلامتها وعن كل ما ورد في المادة 16 ، وفي هذا تكليف للوسيط بما لا يحتمل ، فليس هو بجهة حكومية ، ولن يعلم الغيب بوجود نزاعات على العقار مالم يُشعره المالك ، لذا فمن باب احترام جهد الوسيطوتناسباً مع إمكاناته ، أن يكون هناك عقوبات على المالك حال المخالفة.

9- أرى إضافة نص يجيز إعطاء الوسيطأكثر من النسبة المحددة في النظام بشرط : أن يُكتب في العقد أن المالك قد اطلع على النسبة العليا في النظام ووافق على دفع الزيادة ، وثمرة هذا:

أ- قد تكون حاجة المالك للبيع ملّحة ، أو قد تكون ظروف الصفقة استثنائية ، و النص على عدم جواز الزيادة يجعلها باطلة.

ب- من الملاحظات على (لائحة تنظيم المكاتب العقارية الصادرة عام 1398هـ ) السارية ، أنها لم تفرق في العمولة بين عقود الأجرة وعقود البيع، مما دفع بعض الوسطاء إلى الالتفاف على النظام ، أو إلى  الزهد في عقود الأجرة ؛ فيحسن مراعاة ذلك  .

10-حصرُ تكييف عقد الوساطة بصورة ( الجعالة ) الفقهية ، كما انتهج المشروع المطروح واللائحة السابقة أمر فيه نظر ، فلو طلب المالك من الوسيط التسويق لوحداته خلال مدة ولم يقيدها بتمام بيع ولا أجرة ( في صورة عقد الأجرة الفقهي )، ألا يمكن أن يصاغ النظام بلغة تخدم الصور كلها ؟.

11- أختم ملاحظاتي بتساؤل يوحي بوجود فراغ تشريعي .

فقد نصت المادة 37 على إمهال المخاطبين بالنظام مدة لا تزيد على (سنة ) من نشره ؛لتنظيم أوضاعهم ، ونصت المادة 38 على إلغاء العمل بلائحة تنظيم المكاتب العقارية بهذا النظام  ، ثم جاءت مادة النفاذ م 40 ، بالنص على العمل بالنظام بعد مائة وثمانين يوماً من النشر ، السؤال : فما حال المخالفات  الواقعة خلال الستة أشهر الثانية ، بعد سريان النظام وقبل انتهاء سنة المهلة ؟ .

وختاماً : فأقترح على مقام الهيئة العامة للعقار التريث في رفع النظام ، وعقد ورش متخصصة مع مجموعات من العقاريين والمحامين والقضاة ، لــتحقيق أكثر من فائدة :

إعمال العرف العقاري وسماع أهل الخبرة .
معرفة السوابق القضائية وفحص أسباب التفاوت في الأحكام .
تناسب ما يصدر مع ثقل هذا  النشاط .