يحرص المتعاقدون النابهون على الاستعانة  بالمختصين  في صياغة العقود وتجويدها ؛ رغبة منهم في ضبط الالتزامات وتوضيح الحقوق ، فالصياغة المحكمة تُظهر العقد بالمظهر المتوازن، والذي يوصل الأطراف إلى تنفيذ التزاماتهم، والتعاقد القانوني المنتج لآثاره يتطلب إرادة خالية من الموانع، ينتج عنها تصرفات تقوم معها أركان المسؤولية والالتزام، كما أن الأصل في المتعاقدين أنهم قد أقدموا على هذا التعاقد بإرادة سليمة لا يشوبها مانع و لا قادح ، لكن الواقع أن بعض المتعاقدين يَعمدون باختيارهم لإجراء تعاقد ظاهر لا يقصدونه، ويخفون حقيقته؛ لغاية يقصدونها، وهذا ما يسمى بصورية التعاقد.


وقد تكلم فقهاء القانون عن صورية التعاقد ، فعرفها السنهوري بأنها: "إخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه لسبب قام عندهما"، وقد وردت في الفقه الإسلامي صورٌ كثيرة للصورية في العقود ، لكنها لم تُفرد تحت مسمى موحد، فكلام فقهاء الشريعة عن الحيل المحرمة وعن بيع التلجئة يُظهر مواطن كثيرة للصورية في التعاقد ، كما عرفها الزحيلي بقوله: "يكون العقد صورياً، إذا وُجدت الإرادة الظاهرة وحدها، وانعدمت الإرادة الباطنة" .

إذن تبين أن الصورية تُظهر إرادة أمام الغير تختلف عن الإرادة الحقيقية التي اتفق عليها المتعاقدان، والأصل أن العبرة تكون للعقد المستتر (العقد الحقيقي) ؛ لعلوّ سلطان الإرادة فيه، واحترام حرية التصرفات التي يُجريها أطرافه، ما لم يمس ذلك حقاً للغير (الطرف ثالث)، حينها تُعالج كل واقعة بحسبها، ولأن المقام لا يسمح بالتفصيل في الحديث عن آثار هذا التعاقد أمام الغير، فاقتصر هذا المقال فيما ينحصر أثره بين المتعاقدين دون غيرهما، فلو باع زيد على سعد عقاره لغرض يقصده، ثم كتبا ورقة بينهما: بأن هذا البيع صوري وليس بحقيقي، وأن زيداً هو المالك الحقيقي، فالعبرة بهذه الورقة المكتوبة ؛ لأنها توضح حقيقة العلاقة ، وهذه الورقة تسمى: ورقة الضد . والتي يقر فيها سعد ( المشتري الصوري) بصورية العقد الظاهر، وأنه لا يجوز له التصرف بالعين بأي تصرف دون إذن من زيد ، فتكون هذه الورقة حجة عليه يواجهه بها المالك الحقيقي وخلفهُ العام والخاص ، وقد استقرأ السنهوري جملة من العقود فتوصّل إلى اشتراط توفر أربعة شروط لوصف تعاقد ما بالصورية، وهي :
1- أن يوجد عقدان- أو موقفان – اتحد فيهما الطرفان والموضوع .
2- أن يختلف العقدان من حيث الماهية أو الأركان أو الشروط . 
3- أن يكونا متعاصرين ، فيصدرا معاً في وقت واحد  .
4- أن يكون أحدهما ظاهراً علنياً وهو العقد الصوري ، ويكون الآخر مستتراً سرياً وهو العقد الحقيقي .

وأختم هذا المقال بالتأكيد على أمرين :
1- أهمية كتابة (ورقة الضد) ؛ فكثير من الأشخاص ينقل بعض أملاكه لآخرين من أقارب أو أصدقاء ؛ لغرض ما ، دون كتابة ورقة الضد التي توضّح حقيقة التعاقد ، فيفوت حقه بموته أو بموت صاحبه ، أو بنكران الآخر له، وقد ينتقل عبء الإثبات عليه فلا يحسن المطالبة، أو يخلفه ورثةٌ لا يعلمون شيئاً عن حقيقة التعاقد .

2- أن فقهاء الشريعة والقانون فصّلوا تفصيلاً بديعاً فيما يتعلق بآثار الصورية على حقوق الغير ، ولم يسلّموا باعتبار العقد المستتر على إطلاقه ، بل أعملوا مقصد استقرار التعاملات ، واحترام حسني النية في تعاملاتهم مع من غشّهم، وسأجتهد في استعراض هذه الجزئية في مقال لاحق –بإذن الله-